"أكذوبة لم يرى عاريا بعدها"
خرافة انحلال الازار
هذا، وبعد كل ما تقدم، فإننا نواجه هنا أكذوبة مفضوحة، ليس الهدف منها إلا الحط من كرامة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والإساءة لمقامه الأقدس، من أولئك الذين لما يدخل الايمان في قلوبهم، ولم يسلموا وانما استسلموا، وأقسموا على العمل على دفن ذكر محمد، وطمس اسمه ودينه. ولكن الله يأبي إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون. وتلك الأكذوبة التي هي واحدة من مئات أمثالها، مما تقشعر له الأبدان، ويشتد له غضب الرحمان، هي التالية:
روى الشيخان، وغيرهما من المؤلفين في التاريخ والحديث، ممن تجمعهم معهما رابطة الدين، والسياسة، والصنعة - والنص للبخاري -:
(أن رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم) كان ينقل معهم الحجارة للكعبة، وعليه إزاره، فقال له العباس عمه: يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلت على منكبيك دون الحجارة؟..
قال: فحله، فجعله على منكبيه، فسقط مغشيا عليه. فما رؤي بعد ذلك عريانا.
وفي رواية أخرى للبخاري في كتاب الحج: (فخر إلى الأرض، فطمحت عيناه، فقال: أرني إزاري، فشده عليه).
ونحن لا نشك أن ذلك مختلق ومفتعل، ونكتفي بالإشارة هنا إلى ما يلي:
أولا: إن ثمة تناقض ظاهر بين هذه الروايات، الامر الذي يذكرنا بالمثل المشهور: (لا حافظة لكذوب). وكمثال على ذلك نذكر:
أن رواية تقول: إن تعريه (ص) كان وهو صغير، حينما كان يلعب مع الصغار، وكلهم قد تعرى، وهم أيضا ينقلون الحجارة للعب، فلكمه لاكم لا يراه، وقال: شد عليك إزارك .
وفي أخرى: أن ذلك كان حينما كان عمه أبو طالب يصلح زمزم، فأمر بالستر، من قبل متكلم لا يراه.
وثالثة تذكر: أن ذلك كان حين بناء البيت، وهي المتقدمة. ومعنى ذلك أن عمره كان ٣٥ سنة.
ونوع آخر من الاختلاف، وهو: أن النمرة قد ضاقت عليه، فذهب يضعها على عاتقه، فبدت عورته، لصغر النمرة، فنودي: يا محمد، خمر عورتك. فلم ير عريانا بعد ذلك.
وأخرى تقول: إن العباس طلب منه أن يضع إزاره عن عاتقه .
ورواية تقول: صرع. وأخرى: لكم، وثالثة: أغمي عليه. إلى آخر ما هنا لك من وجوه الاختلاف.
طريق جمع فاشل:
وقد حاول العسقلاني والحلبي الجمع بين الروايات:
فقال العسقلاني: إن النهي السابق لم يكن يفهم منه الشمول لصورة الاضطرار العادي. وحين بناء البيت اضطر إلى ذلك، فرأى أن لا مانع من التعري حينئذ.
وهكذا يبذل هؤلاء المحاولات لاثبات هذا الامر الشنيع على الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، لان ذلك قد ورد في صحيح البخاري، وهو الكتاب المقدس عندهم، بل هو أصح شئ بعد القرآن.
بل إن القرآن فيه تحريف ونسخ للتلاوة وغيرها عندهم. أما البخاري فيجل عن ذلك!!
مع أنه قد فات العسقلاني هنا: أنه قد جاء في رواية أبي الطفيل:
(فما رؤيت له عورة قبل ولا بعد) .
هذا كله عدا عن أنه هو نفسه يذكر: أنه (ص) كان مصونا عما يستقبح قبل البعثة وبعدها ثم جاء الحلبي، وقال: إن من الممكن أن تكون عورته (ص) قد انكشفت، لكن لم يرها أحد حتى العباس .
ولكن ما يصنع الحلبي بعبارة البخاري، وغيره، والتي تنص على أنه: ما رؤي بعد ذلك عريانا.
وعبارة أبي الطفيل: ما رئيت له عورة قبل ولا بعد.
وثانيا: ومما يكذب ذلك: ما ورد عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) - وكأنه تنبأ عما سوف يقال زورا، وبهتانا عنه -: من كرامتي على ربي: أن أحدا لم ير عورتي. أو ما هو قريب من هذا .
وثالثا: لقد قال عنه أبو طالب (عليه السلام)، قبل بناء البيت بعشر سنوات: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يوزن برجل إلا رجح به، ولا يقاس به أحد إلا وعظم عنه الخ. فكيف إذن يقدم هذا الرجل العظيم على التعري أمام الناس، حين حمله الحجارة للكعبة؟!.
ورابعا: إن ثمة روايات تفيد: أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مصونا من رؤية عورته حتى بالنسبة لأزواجه، فعن عائشة: ما رأيت عورة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قط، أو نحو ذلك .
وإن كانت قد عادت فذكرت: أن زيد بن حارثة قرع الباب، فقام إليه رسول الله يجر ثوبه عريانا، قالت: (والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده، فاعتنقه، وقبله) .
لكن نصا آخر يقول: (فما رأيت جسمه قبلها) . وهذا هو الأقرب إلى الصواب، بملاحظة ما قدمناه وما سيأتي.
وخامسا: في حديث الغار: أن رجلا كشف عن فرجه، وجلس يبول، فقال أبو بكر: قد رآنا يا رسول الله، قال: لو رآنا لم يكشف عن فرجه .
وهذا يدل على أن المشركين كانوا يستقبحون أمرا كهذا، ولا يقدمون عليه، فكيف فعله الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)؟!
وسادسا: لقد روي أنه (ص) كان أشد حياء من العذراء في خدرها ، فهل العذراء الخجول تستسيغ لنفسها التعري أمام الناس.
#كتاب 📗 الصحيح في السيرة / جعفر العاملي ..